الخميس، ٢٦ ذو القعدة ١٤٢٨ هـ

6- تابع البحث

أمثلة شاذة عن الشذوذ!!

وممّا لا شكّ فيه أنّ (ال) تختلف عن الذي فيما تدخل عليه فلا تتصرف تصرفه فإذا كان (الذي) يدخل على الجملة الفعلية والاسمية فإن (ال) لا تدخل إلا على مشتق من الجملة الفعلية وقد تدخل على المضارع لشبهه باسم الفاعل في الزمن وفي الصيغة أو شبهها بالموصولات الاسمية، أو تدخل على الاسم أو الظرف لشبهها بأخواتها الموصولات حيث لا توصل إلا بالجملة أو شبه الجملة(1)على سبيل الضرورة الشعرية لشذوذها وندرتها، كما بيّنا ذلك في المبحث الأول، أمّا أن يتم إدخالها على أفعالٍ ماضية أو أفعالٍ ناقصة أو حروف فهذا ما لم نسمع به في لغة العرب.وقد شاع بشكلٍ لافتٍ في شعر بعض المحدثين ،وهم لا يكتفون بإدخال (ال) على المضارع كما عهدنا ذلك في الشعر القديم بل يتعدّون ذلك إلى إدخالها على الماضي،يقول الشاعر السعودي فاضل الجابر في قصيدته غجريّة:(2)
بعُمق البياض هنالك ينبت في الصدر شيءٌ
بلون البنفسج حين تبرعمه في فؤاده
وحتى انتثاره ويا قبلتي الحب ليس الهواء الـ تنفسته فيك يوما
وليس الجمال الذي سوف يقدح وجه المحب ويشعل ناره.

ونرى أن ادخال (ال) في هذا الموضع غير مناسب البتة لما فيه من ثقل على المسامع وصعوبة في النطق فقد حشد مجموعة من الكلمات في كلمة واحدة( (ال)بدلاً من الذي –الفعل الماضي تنفس-تاء الفاعل-هاء الضمير)...كل ذلك كان حجر عثرة دون وصول الموسيقى بعذوبة الى أذن المتلقي..بالإضافة الى ما في إدخال (ال) على الماضي من غرابة.
ويقول الشاعر السعودي محمد خضر:
ليس لدي الآن ذاكرة ،مطاطية لأمد سياج الكلمات
إلى صديقتك الصادقة ،الـ عرفناها سوياً...

فبالإضافة إلى كوْن قصائده نثرية ولا مسوّغ لضرورة شعرية فيها حيث لا يلتزم وزناً ولا قافية،
نلاحظ تعثُّر هذه الكلمة في المسامع بسبب طولها وغرابتها كما في المثال السابق.

ويقول الشاعر السوداني عالم عباس محمد نور:
وإذا بالصوتِ الملكوتي الرقراق يرنُ كموسيقى الجنة
نفس الصوت الـ هَزَّ الوتر العاشر
بعد الألف بأعماقي ،نفس الصوت الرَيَان

ويقول الشاعر العراقي وجيه عباس في قصيدةٍ له بعنوان(في هذا الزمن السقيم)(3)
مطرٌ والريحُ تغتسلُ والنواقيسُ الـ بكتْ مُقَلُ
أنت يا أخدودها الـ يبستْ رئتاهُ وهو يرتحلُ
وعلى الرّغم من غرابتها إلا أننا قد نستسيغها في هذه المواضع، وربما سوّغَ ذلك قصرها وخفّتها
على اللسان،بحيث تشغلُنا موسيقى النص الرقيقة عن الاصطدام بها والتساؤل حولها!!
ويقول الشاعر حسن الصلهبي:
فَمَنْ يَرْتَو مِنْ أَسْـفَلِ البِئْرِ يَرْتَـوِ
وَمَنْ يَتَّقِ رَشْفَ الجُنُونِ يُعَـنَّـفِ
فَهَلْ تَحْمِلِيْنِي لِلنُجُومِ الْـ تَـوَسْدَتْ سَرِيْرَ الدُجَى؟؟(4)
ويقول الشاعر عبد الناصر حداد في قصيدة له بعنوان (الدليل):
كنتُ اُشعل قلبي , وأشمس في الظلمة الحجرية ِ
كانوا على عجل يغفلون
وكنت الـ وجدتكِ مثلي
كيف لم تبصريني.

ولم يكتفِ الشعراء في عصرنا الحاضر بإدخال (ال) على المضارع أو الماضي بل تجاوزوا ذلك إلى إدخالها على الأفعال الناقصة!!
فنجدهم يدخلونها ببساطة على (كان و ليس)....ولا أصل لذلك في اللغة،ولعلّهم يحذون في ذلك حذو نزار قبّاني حيث يقول في قصيدة (أتوفيق..ماذا أقول لهن):
سأخبركم عن أميري الجميلْ
عن الـ كان مثل المرايا نقاءً
ومثل السنابل طولاً
ومثل النخيلْ...
(5)
كذلك يقول الشاعر السعودي معيض البخيتان:(6)
كل الدروب الزرق آونة والجون والـ كانت ولم تكنِ
ويقول الشاعر عبد الناصر حداد :
سيَدي هاك قلبي الذي أملكُ
ودمعي الـ ليس لي .
هاك روحي الحزينة هاك دموعي وعينيَ
جلدي وعظمي وماتتشهَى


ويقول الشاعر عيسى الشيخ حسن (7)
وازرعني في السهل الملتهب القمح, السهل المفضوح
بقامتها المشلوح على وردة دوحي
كان بعيداً من رسائلنا النائحة على الـ كان بعيدا


وكذلكَ أدخلوها على الحروف وقد كُنّا شهِدنا إدخال القُدامى لـ(ال)على الظروف
ولعلّهم فعلوا ذلك لشَبَه الحرف بالظرف كوْنهما يمثِّلان شبه الجُملة،
فمن إدخالهم (ال) على الحروف،قول الشاعر السعودي محمد الخباز(8)،
وهو يُكثر في ديوانه من التّلاعب بـ(ال):

للجسم ام في الرحم تحمله
والروح لكن من الـ بها حملا
والجسم يمشي ولا يطيق يداً
تمسكه حتى إن مشى ثملا
(9)

حيث أدخل (ال) على حرف الجر (الباء)،
بل وأدخل (ال) على ياء النداء في سياقٍ لا نحسبه من العربيّة في شيء!!حين قال:

تقدَم باتجاه الـ يا لخيبته.. فلم يخطر له أني بدون جهات ْ
تورَط بي ومهما سار قاربه ... تعانده فلا تسري به الموجاتْ
(10)

ولربّما لاحظوا دخولها على حرف الجر في أحد أبيات نزار قباني فراقهم التمرّدُ على القواعد وقلّدوه، يقول نزار في قصيدته (رصاصة الرحمة):(11)
وكسرتُ احتكار عينيك بالعنف
وأنقذتُ جيشي المهزوما
فإذا أنتِ حائطٌ اثريٌ
والرسوم الـ عليه لسن رسوما

أي التي عليه،وليست هذه الوحيدة لنزار فقد أدخل (ال) كذلك على الاسم محاكاةً لقول أحد الشعراء القدامى والذي جرى شاهداً في كتب النحو والضرائر:
من القومِ الـ رسول الله منهم لهم دانت رقاب بني معدِ

وقد اتّفق العلماء على أنها ضرورة لذا لا نؤاخذُ نزاراً عليها..قال:
تلك الـ عيناها اصفى من ماء الخلجان
تلك الـ شفتاها أشهى من زهر الرمان.


أي التي شفتاها والتي عيناها،و من الشعراء المُحدثين من أدخل (ال) على الظرف وقد أوردنا شاهداً على ذلك في المبحث الأول وهو قول أحد الشعراء القُدامى:
من لا يزال شاكراً على الـ مَعَه فهو حر بعيشة ذات سعة
وهذه كذلك اتّفق العلماء على أنها ضرورة،إلا أن من المحدثين من أجاد استخدامها ومنهم من أساء ذلك، ومثال ما استحسنّاه،قول الشاعر اللبناني يوسف الخال:
خيوطها أنا الـ غزلتها ..
من المجاهل الـ وراء قبرص الحبيبة.

والشاهد هنا إدخاله (ال) على الظرف (وراء) ولا بأس به لاستقامة الوزن، أما قوله (الـ غزلتها) ففيه إدخال (ال) على الماضي وقد تقدّم ذكره ولم يَرِد عن العرب أنهم جاؤوا بمثله.
أمّا مثالُ الرداءة فقول محمد الخباز:
أينه الثقب ياترى الـ عبْره ينفذ الدعاء؟
فلقد ضجَ داخلي ياإلهي من النداء
(12)

فبمجرّدِ قراءتِك لهذا البيت تنفرُ مسامعُك!! إذ يخترق شذوذها ونتوؤها مداركَك، ولا تفتأ تُعيد القراءة والنظر علّك تستوعبُ قصد الشاعر وتفهم أنّ (ال) هذه إنما يقصد بها (الذي)
فالشاعر إذا ما أدخل (ال) الموصولة على أيّة لفظة في نصه سواء كانت فعلاً أو اسماً أو حرفًا على سبيل الضرورة الشعرية،فعليه أن يُذيبها في أبياته ويصهرها في روعة المعنى بحيث تأتي دقيقة لدرجة أنها لا تُرى واضحة فيستسيغها القارئ ولا يصطدم بها بل لا يسأل عنها لفرْطِ انسجامها مع النص..

وكما أدخلوا (ال) على حروف الجر،أدخلوها كذلك على ما النافية،
ولستُ أستغرب ذلك الآن خاصّةً بعد كل تلك الشواهد البالغة الشذوذ !!
ومن ذلك قول الشاعر السوري ياسر الأطرش في قصيدته (رائحة الشمال):(13)
لا يحب الشاي والدفء الدخيلُ
ولا النخيل الــ مابه طعمُ البيوت

وكذلك قول الشاعر المصري رامز النويصري:(14)
لم أهز أضلعي أضلعكْ
كانت عصية, تحمل أرجوحتي
جدائلكِ الــ ما أراها ..كي تفيض بالقرنفل


و أثناء تسكُّعي بين المواقع الأدبية على الشبكة العنكبوتية،لفت انتباهي بيتٌ لشاعرٍ مُعاصر أدخل فيه (ال) على (علّ) والعجيب في الأمر أنّ (الذي) بكل اسميّته وموصوليّته وهو أعم من (ال) في دخوله على الجمل الاسمية والفعلية، لا يدخل على (علّ) فلا نقول مثلاً (صادفتُ صديقي الذي علّه يصفح عني)!!فكيف بـ (ال)؟؟!!
وهو قول الشاعر الفلسطيني تركي العامر:(15)

بدواء يشفي القلب من الـ علَّه
خطر محدق ...بحياتك لو هربت كلمة
من أغنيةٍ تحرق
.*

وتمادى الشعراء في التّلاعب بـ(ال) ربما لشدِّ الأنظار وربما للتجديد، للتغيير، لكسر الروتين وكأنما اللغة تبلى وتحتاج ثوباً جديداً لائقاً يقحمونها فيه،وهي لغة الكتاب العتيق!!

ـــــــــــــــــــ
(1)العذب السلسبيل بتيسير شرح ابن عقيل،لأبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل ص111
(2)ديوان الشاعر(متسع للرحيل)ص35
(3)من موقع وجيه عباس
www.wajeehabbas.com
(4)موقع جسد الثقافة http://www.jsad.net/
(5)ديوان الشاعر(أشعار مجنونة) ص104
(6) شاعر سعودي وناقد وباحث في التاريخ ،صدرت له أكثر من ستة دواوين شعرية وله كتابان نقديان..
(7)شاعر سوري مواليد1965 له ديوان أناشيد مبللة بالحزن، ويا جبال أوبي معه.
(8)شاعر سعودي من القطيف له ديوان سيرة وعي.
(9)ديوان الشاعر (سيرة وعي)ص79
(10)ديوان الشاعر (سيرة وعي) ص 22
(11)www.arabsline.net
(12) من ديوان سيرة وعي ، ص45
(13)شاعر سوري من الجيل الجديد له ديوان(بين السر وما يخفى)
و(قلبي رغيف دمٍ مستدير).
(14)رامز رمضان النويصري مواليد القاهرة 1972له ثلاثة إصدارات.
(15)شاعر فلسطيني مواليد قرية حرفيش الجليليّة 1954 أصدر حتى الآن 11 كتاباً.
*جميع الأبيات التي لم تؤخذ من دواوين شعرائها أو مواقعهم إنما جُمِعتْ من موقع ديوان العربwww.adab.com

تم بحمد الله


5- تابع البحث

المبحث الثاني:

كيف يعبث الشعراء المعاصرون بـ(ال)؟؟

لا ريب أن إجابتنا على الاستفهام الذي يدور حول (ال) ودخولها على المضارع،أهو ضرورةٌ أم اختيار؟كانت شافيةً كافية في المبحث الأول،فدخولها عليه على الأغلب ضرورة شعرية عند الجمهور، وإن عدّوها قبيحة،لذا لا نودُّ التَّزمّت والتّعنُّت في حكمنا على شعر المعاصرين بل لا بُدّ من أن نتّخذ من الموضوعيّةِ منهجاً لنا في البحث علّنا نرْقى به إلى مستوى الدراسة التطبيقية،وقد قال الخليل بن أحمد كلاماً يُلامس فيه ما ينبغي أن يتّسم به الشاعر من حرية وامتياز إذ يقول:"والشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنّى شاؤوا ويجوز لهم مالا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده ومد المقصور وقصر الممدود والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته واستخراج ما كلّت الألسن عن وصفه ونعته والأذهان عن فهمه وإيضاحه فيُقرّبون البعيد ويبعّدون القريب ويُحتج بهم ولا يُحتج عليهم ويصوّرون الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل" (1)
بعد نظرة الخليل الواسعةِ الأفق للشاعر على أنه أمير الكلام يصنع به ما يشاء فاللغةُ بين يديه طينةٌ يخلقُ منها ما يعُنُّ على خاطره من شطحات الخيالْ ويُقولبها حسب ما يناسبه من أشكالْ، بعد قولِه لا يسعنا إلا أن نغضّ البصر عمّا يرتكبه المعاصرون في أشعارهم الحداثيّة من إدخال (ال) على المضارع بشرط أن تكون موزونةً مُقفّاة تقتضي الضرورة،أما أن يتجاوزوا ذلك إلى إدخالها على الأفعال الماضية والحروف والأفعال الناقصة!! فهذا مالا نقبله إذ لا مسوِّغ له..
وظاهر كلام الخليل أن للشاعر مُطلق الحرية في صياغة شعره وله أن يتلاعب باللغة كيف يشاء!!والحقيقة أن الخليل لم يُعدّد الضرورات في مقولته إلا لأنه يقصد أن باب الضرورة في الشعر مفتوح ،بيد أنه مُحدّد بتجاوزات معروفة عند العرب كقصر الممدود ومد المقصور فليس لنا مثلاً أن ننصب فاعلاً في الشعر ونقول ضرورة!!

وممّا وقع بين أيدينا من شعرٍ للمعاصرين أدخلوا فيه (ال) على المضارع,
قولُ الشاعر السعودي فاضل الجابر(2)في قصيدته نهايات قصية
ورياح المسافات تأخذني لأقاصي النهايات في قصتي
الـ تحتفي بانبلاجك فيها وتنثرني في بقاع الجوى(3)

ويقول أحمد المنعي الشاعر السعودي الشاب،في قصيدةٍ له
منشورة على صفحات الانترنت باسم (سرت ريح الجنوب)(4):

ونازف شعره دمعاً سخينا
يُذيب العاشقين إذا يذوبُ

بكى أرض الشمال وساكنيها
وأحرقه من الوجدِ اللهيبُ

ألا يا ليت كلّ غريب دارٍ
إلى الدار الـ يحِنُّ لها يؤوبُ


ويقول الشاعر السوري عبد الناصر حداد في قصيدته غيمة الروح:(5)
وعدتُكَ
إما أجيئك كُلّي
نقيّاً كسِرّك
أو أدفن الـ يتبقى بقلب الرمادْ

وقد أكثر من إدخال (ال) على المضارع بشكلٍ لافتٍ في شعره ومن ذلك قوله:
لو تركتم رياحي على رسلها أو مياهي على سيلها
ثم حالي على حالها
لو تركتم يدي تقولُ الـ تقوله
لاستفاق الثّرى من سنين

ونلاحظ في إدخاله (ال) الموصولة على (تقوله) ثقلاً يقِفُ حائلاً دون انسياب الموسيقى في آذاننا
ولعلّ السبب في ذلك يكمن في تكرار ذات الحروف (تقولُ الـ تقوله)فتكرّرَ حرف القاف مرّتين كما تكررت اللام ثلاث مرّات ـ لام تقول ولام تقوله ولام (ال) ـ بالإضافة إلى الغرابة التي تصدم المتلقي،وربما حاول التخلّص من ثقل (الذي) وطولها المُخِلّ بوزن البيت فلجأ إلى (ال) إلا أنها لا تنتمي لهذا المكان بتاتاً كما لو أنها ناتئة عنه، فلو ساق (ما) الموصولة فقال:تقول ما تقوله لكانت في رأيي أكثر تناسقاً وجمالاً.
ويقول في قصيدة أخرى:
مقلتي غيمةٌ والرحى دائرة
أبَدَ اللحظة المرّةِ
الأبد الـ يشتري لعنة الموتِ والريح والعاصفات.
ويقول:
الستار الذي انهال يحجبُ كلّي
عروقي تنزُّ غياباً
غيابي الـ يفيضُ
أهال على ناظريّ

ويقول:
واضحٌ هذا الغموضُ الـ يعترينا
واضحٌ كاللغزِ مكشوفٌ كسرٍ
ورماديُّ الملامح.

ويقول الشاعر المغربي علي العلوي في قصيدته صمت الرحيل:(6)
وها صورتك الصامتة الـ تنبئ بالجُرح
الذي يسكن روحي


ويقول الشاعر السعودي محمد خضر:(7)
في المسافة الساحلية الطويلة
الكئيبة الـ تمضغ الكآبة

ويقول في قصيدة له بعنوان (شاهد يقلم أظفاره):
حكتْ عن نبوءة الحقل الـ تبدأ بعد الحصاد
حكت عن مرحلة المهد والخصوبة
التي اعترت النخل وبكائي القديم في حضرة القطب.
وكما ذكرنا فإدخال (ال)على المضارع ضرورة شعرية على رأي الجمهور،إلا أن قصائد محمد خضر نثرية،فهي لا تخضع لوزن معيّن،فما الداعي إذن لإقحامه (ال) في قصائده!!؟وإنما يدُل ذلك على شيوع هذه الظاهرة بين الشعراء المعاصرين عامةً وشعراء الانترنت خاصةً في الشعر والنثر على حد سواء.

ويقول الشاعر الفلسطيني يوسف الديك(8)في قصيدة له بعنوان امرأة:
نامي أيتها المرآة
الـ تتراءى فيها عينيّ
الـ يتوارى خلفها منكفئاً
فرح السنوات الدامي.


ويقول الشاعر الليبي محمد زيدان(9):
ها أنا الندبة في جبينك
وآسفٌ جداً للخطأ
ها أنا الـ أدورُ على قلبي
وهُنيهة الإيماض الأخيرة
تعتم في المدى الأخرس


وتقول الشاعرة السعودية الشابة هيلدا إسماعيل(10):
وأنا الـ أُشبهها سوءاً
نحشر بالـ(شوكولا) أعيننا.

ويقول الشاعر عثماني الميلود في قصيدةٍ منشورةٍ على صفحات دروب:(11)
مارون الراس ليس نجماً
وليس قشرة بصل
مارون الراس يُرعب ويُنعش
إنه الريح تهفو إلى الرياح
والماء اليعود إلى نبعه

ويقول الشاعر السوداني عالم عباس محمد نور في قصيدة بعنوان سلامٌ لوجهك في الخالدين:(12)
الله لك
يا أيها المُلقى بقارعة الدروب
يا أيها القلبُ الـ يذوب جوىً وليلك نام في نعش العشى
فدخول (ال) على المضارع (يذوب)هنا في غاية الروعة والإتقان،ولا سيما أنه قصدَ التعبير عن ذوبان قلبه فعبّر عنه بذوبان اللفظ في جملته، فأذاب(الذي) واقتصر على (ال)حتى وكأن الكلامَ يذوبُ في ثغرك وينساب عذباً إذا ما لفظتَ قوله (الـ يذوب)!!


وتقول الشاعرة السعودية نادية البوشي:
هو البوحُ يا خافقي لا تهاب انسكاباً حميما
على مرفأ الصدق الـ يحتفي بالوفاء
(13)

ويقول الشاعر السعودي حسن الصلهبي(14)
لا تلمنيْ إذا انتحلتُ القصيدةْ .. أين وجْهيْ ؟
أرى وُجُوهاً عديدةْ أنكرتني رغم التداني المرايا ..
رغم أنفاسها الـ يُقالُ جديدةْ(15)
ــــــــــــــــــــــ
(1)منهاج البلغاء/ص143...
الصاحبي لابن فارس/ص275...
(2)فاضل جعفر الجابر شاعر سعودي مواليد سنابس 1975له مجموعة شعرية واحدة
(مُتّسع للرحيل).
(3)ديوان الشاعر متسع للرحيل ص86
(4)www.alsakher.com
(5)عبد الناصر حداد شاعر سوري مواليد دير الزور 1972له ثلاث مجموعات شعرية.
(6)ديوان الشاعر (أول المنفى)ص29
(7)محمد خضر الغامدي شاعر سعودي مواليد أبها 1976أصدر ديوان (مؤقتاً..تحت غيمة)
(8)شاعر فلسطيني مواليد مدينة باقة الغربية 1959 له أربعة إصدارات.
(9)شاعر ليبي مواليد ودّان 1966له إصداران.
(10)شاعرة سعودية صدر لها (ديوان بين قوسين)و(أي..قونات)
(11)www.droob.com
(12)WWW.postpoems.com
(13)www.adabimadina.net شاعرة من المدينة المنورة..
(14)حسن الصلهبي شاعر من جيزان له ديوان شعري بإسم خائنة الشبه.. فائز بجائزة أبها للثقافة عام 1424
(15)ديوان الشاعر خائنة الشبه ص21

4- تابع البحث

3ـ من أيّ أصلٍ تنحدر(ال)؟؟
هل هي ابنةٌ لـ(الذي) أم مجرّدُ أُختٍ له؟؟
ذكرنا في التمهيد بأنّ (الذي) ثقلت على ألسنتنا فرُحْنا نطلب الخفّة في بعضها خاصةً في لهجتنا العامية..واستبدلناها بـ(اللي) واستبدلها آخرون بـ(ال)،كما أنّ القُدامى لم يتركوها وشأنها بل نهكوها بالحذف كما عبّر عن ذلك الزمخشري،فهم تارةً يحذفون الياء ويُسكنون ما قبلها،فيقولون:الذْ والتْ،بإسكان الذال والتاء بعد حذف الياء منهما،كقول أحدهم:
فكنت والأمر الذي قد كيدا كالذْ يزبي زبية فاصطيدا
وقول آخر:
أرضنا التْ آوت ذوي الفقر والذل فأضحوا ذوي غنى واعتزازِ
أو يحذفون الياء ويكسرون ما قبلها،كما في قول أحدهم:
لا تعذل الذِ لا تنفك مكتسباً جهلاً وإن كان لا يبقي ولا يذرِ
وقول آخر:
شغفت بك التِ تيمتك فمثل ما بك ما بها من لوعة وغرامِ
وقد نقلها أئمة اللغة على أنها لغات،وبذلك ألجموا من ذهب إلى أن بابها الشعر فقط.(1)ومن أوجه تخفيف (الذي) قول بعضهم (لذي) بحذف (ال)،قال أبو حيان ولم يذكر ابن مالك شاهداً على تخفيف (الذي) وفروعه إلا قراءة أعرابي حكاها أبو عمرو (صِراط لذين)و في كتاب الشواذ لأبي محمد عبد السلام من قبيلة المقري السلام (صراط لذين) قرأ أُبي بن كعب وابن السميفع وأبو رجاء بتخفيف اللام حيث كان:جمعاً أو واحداً.. (2)
ولكن هل يعني ذلك أن (ال) بعضٌ من (الذي)؟؟إنّ من النحاة من ذهب إلى هذا القول فاعتبر (ال)بقية (الذي) كما في قول الشاعر:من القوم الرسول الله منهم.......أي الذين رسول الله منهم،فحذف الاسم اكتفاء بالألف واللام.كذلك قال بعضهم بأن (ال) في قول الشاعر:ما أنت بالحكم الترضى حكومته........بقية الذي (3)
وقال أبو حيان في ارتشاف الضرب"ما ورد من ذلك ـ أي دخول ال على مضارع ـ أصله الذي، فحذف إحدى اللامين و(ذي) ضرورة وبقي منه (ال)"(4)كما ذهب الزمخشري أيضاً إلى أنها منقوصة من الذي وأخواتها ذلك لأن الموصول مع صلته التي هي جملة بتقدير اسم مفرد فتثاقل ما هو كالكلمة الواحدة بكون أحد جزئيها جملة،فخفف الموصول تارة بحذف بعض حروفه إذ قالوا في (الذي) (الذْ) بسكون الذال وتارة بحذف بعض الصلة.(5)فقد ورد في أوائل الكشاف عند تفسير (كمثل الذي استوقد ناراً)قوله:إن (ال) في الصفات بعض الذي وإنما لكثرة الاستعمال متوصلاً به إلى وصف المعارف بالجمل نهكوه بالحذف،فحذفوا تارة الياء وحدها وتارة الياء والكسرة وتارة اقتصروا على (ال)وظاهر كلام الزمخشري بل صريحه في المفصّل أن اللام في الذي حرف تعريف وأن اللام التي تعد من الموصولات هي تلك اللام التي كانت في الذي إلا أنها تُعد اسماً لا حرفاً لأنها بمنزلة الذي لكونها تخفيفاً له.وردّ عليه صاحب تعليق الفرائد بقوله:دعوى لا دليل عليها وفيها ما رأيت من جعل الاسم عين الحرف وهو باطل.وقد ردّ الرضي على القائلين بأنّ (ال) بعضٌ من (الذي) بقوله:والأولى أن نقول اللام الموصولة غير لام الذي لأن لام الذي زائدة بخلاف اللام الموصولة،والجمهور على أن اللام التي هي من الموصولات ليست منقوصة من الذي بل اسم موضوع برأسه.(6)
وردّ عليهم كذلك ابن الحاجب في الكافية حين قال:"والأولى أن نقول اللام الموصولة غير لام الذي لأن لام الذي زائدة بخلاف اللام الموصولة وقالوا الدليل على أن هذه اللام موصولة رجوع الضمير عليها في السعة نحو:المرور به زيد".
(7)
إذن.. فـ(ال) ليست جزءاً من (الذي) إنما هي اسم موصول مستقل بذاته ووظيفته وبما يدخل عليه ـ فالرأي الراجح هو رأي الجمهور ـ مثلها في ذلك مثل سائر الأسماء الموصولة، وإنما حيّرتهم لشبهها بالحرف ولدخولها الشائع على المشتقات ودخولها النادر على الأفعال!!
4ـ حكم دخول (ال) على المضارع :
هل هو ضرورة أم اختيار ؟
قبل أن نُشمِّرَ القلم ونَنُثَّ المداد ..
لابد أن نُعِّرجَ على جنّةٍ بين أيدينا..لابُدّ أن نقطف من أثمارها كي يطيبَ بحثنا بفوائدها ويزدهي بألوانها خاصّةً وأنّ ما سنتناوله يُمثّل لُبَّ دراستنا ..
من هنا نبدأ بقول السيوطي في همع الهوامع وهو يقسّم العلماء إلى مذهبين كما ارتأينا تقسيمهم يقول:((توصل (ال) بصفة محضة وفي المشبه خلاف،وبمضارع اختيار_عند ابن مالك_وقال غيره قبح وبجملة اسمية وظرف ضرورة شعرية))
ثم فصّل ذلك بقوله :
(في وصلها بالفعل المضارع قولان : أحدهما :توصل به ،وعليه ابن مالك ،لورودها في قوله :
ماانت بالحكم الترضى حكومته
وقوله:
ما كاليروح ويغدو لاهياً فرحا.
وقوله :
إلى ربه صوت الحمار اليجدع.
والثاني:
لا،وعليه الجمهور وقالوا الأبيات من الضرورات القبيحة،ولا توصل بالجملة الاسميه ولا الظرف الا في ضرورة بإتفاق. كقوله:
من القوم الرسول الله منهم .
وقوله :
من لايزال شاكراً على المَعَه.
(أي الذين رسول الله والذي معه)(8)

ومن هنا اختلف العلماء في اتصال (ال) بالفعل المضارع إلى فريقين :
1_ بعضهم قال أن دخولها مخصوص بالشعر أي (ضرورة شعرية)،وعليه جمهور البصريين ..
قال الرماني في معاني الحروف:
((وقد اضطُرَّ الشاعر فأدخلها على الفعل المضارع وذلك نحو
قوله:فيستخرج اليربوع من نافقائه ومن بيته ذي الشيخة اليتقصّعُ
وقوله:يقول الخنا وأبغض العجم ناطقاً إلى ربا صوت الحمار اليجدعُ
وقوله:ماأنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدلِ
وهذا من أقبح الضرورات ولايجوز استعماله في سعة الكلام)) (9)
وقال ابن السراج في كتاب الأصول:لما احتاج الى رفع القافية قلب الاسم فعلاً وهو من أقبح ضرورات الشعر،وقد صرّح صاحب الإنصاف في مسائل الخلاف بخطئها لشذوذها قياساً واستعمالاً وعلّل ورودها في الأمثلة السابقة بضرورة الشعر فالضرورة لا يقاس عليها كما لو اضطرّ إلى قصر الممدود أو مد المقصور وعلى ذلك سائر الضروات فلا يدُل جوازه في الضرورة على جوازه في غير الضرورة فسقط الاحتجاج به(10)
2ـ والبعض الآخر جعل دخولها اختياراً ،ومنهم ابن مالك وفاقاً لبعض الكوفيين وقد ذكر مذهبه السيوطي في همع الهوامع وأوردنا قوله آنفاً، فعلى رأي ابن مالك أن دخول (ال) على المضارع لايختص بالشعر بل قد يجوز في الاختيار، قال:
((وعندي أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة،لتمكن قائل الأول أن يقول:
(ماأنت بالحكم المرضي حكومته ) ولتمكن قائل الثاني من أن يقول
(إلى ربنا صوت الحمار يجدعُ)ولتمكن الثالث من أن يقول(ما من يروح)
ولتمكن الرابع من أن يقول(وما من يرى)فإذا لم يفعلوا ذلك مع استطاعته
ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار ،وأيضاً فمقتضى النظر وصل
الألف واللام إذ هما من الموصولات الاسمية بما توصل به أخواتها من الجمل
الاسمية والفعلية والظروف فمنعوها ذلك حملاً على المعرّفة،لأنها مثلها
في اللفظ وجعلوا صلتها ما هو جملة في المعنى ومفرد في اللفظ صالح
لدخول المعرفة عليه،وهو اسم الفاعل وشبهه من الصفات،ثم كان في
التزام ذلك إيهام إن الألف واللام معرفة لا اسم موصول فقصدوا
التنصيص على مغايرة المعرفة،فأدخلوها على الفعل المشابه لاسم الفاعل
وهو المضارع فلما كان حاملهم على ذلك هذا السبب وفيه
إبداء ما يحق إبداؤه وكشف ما لا يصلح خفاؤه استحق أن
يجعل مما يحكم فيه بالاختيار ولا يخص بالاضطرار ولذلك
لم يقل في أشعارهم،كما قل الوصل بجملة من مبتدأ
وخبر كقوله:من القوم الرسول الله منهم))(11)
وقد نبّه سيبويه على أن ماورد في الشعر من المستندرات لايعد اضطراراً،إلا إذا لم يكن للشاعر في إقامة الوزن وإصلاح القافية مندوحة...ومما يشعر بأنهم فعلوه اختياراً أنهم لم يفعلوا ذلك إلا بالفعل المضارع لكونه شبيه باسم الفاعل أما قول الشاعر : من القوم الرسول الله منهم ...فنادر معدود من الضرورات لأن (ال) فيه بمعنى الذين ولا يتأتى له الوزن إلا بما فعل(12)
ورأي ابن مالك كرأي سيبويه مما يوحي بتأثره به.
ويمكننا أن نرد على ابن مالك كما ردّ عليه صاحب تعليق الفرائد فنقول بأن ابن مالك عبّر بالضرورة الشعرية عن:ما ليس للشاعر منه مندوحة، وهذا غير صحيح، يقول ابن عصفور(ت 669)في كتابه ضرائر الشعر((إن الشعر لما كان موزوناً،أجازت العرب فيه ما لايجوز في الكلام اضطروا إلى ذلك أم لم يضطروا إليه ،لأنه موضع أُلفت فيه الضرائر ))
(13)
لأن الشاعر لا يلزمه تخيل جميع العبارات التي يمكن أداء المقصود بها فقد لا يحضره في وقت النظم إلا عبارة واحدة تؤدي مراده فيكتفي بها ولو فتح هذا الباب لاتسع الخرق وأمكننا في كل ما يدعى أنه ضرورة أن يدعى أنه أمر اختياري لتمكن الشاعر من أن يقول غير تلك العبارة،ويعين تركيبا آخر تم الوزن به :وهذا سهل على من له محاولة لنظم الشعر،ولايكاد يعوزه ذلك في جميع الأشعار أو غالبها فهذه طريقة كما تراها والمعول عليه عندهم في تفسير الضروره أنه مالايوجد إلا في الشعر كان للشاعر عنه مندوحة أو لم يكن.(14)
وخلاصة القول:
أن العلماء قد اختلفوا في حكم (ال) فقال الجمهور بشذوذها فما جاء منها في الشعر فهو ضرورة وعلى ذلك البصريون،وقال ابن مالك بجوازها في السعة أي أنها اختيار في الشعر والنثر وقد وافق بذلك رأي الكوفيين،والمعروف أن العرب لم تُدخل (ال) على الفعل لأنها كرهت إدخال(ال) الموصولة عليه وهي شبيهة بـ(ال) التعريف المختصّة بالأسماء فأتت بما يجوز إدخال (ال)التعريف عليه وما يؤدي معنى الفعل في الوقت نفسه وهو اسم الفاعل ومايتبعه من الصفات،وهذا يدُل بوضوح على كراهية العرب لهذا الأسلوب في التعبير وبالتالي شذوذه وندرته،فلا يسعنا بعد تفصيل الموضوع وتفنيد رأي ابن مالك إلا أن ننضوي تحت لواء الجمهور ونحكم عليها بالضرورة فيما سيُقابلنا من شواهد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)انظر تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للدماميني ،ج2 ص185
(2)انظر تعليق الفرائد للدماميني ج2 ص191
(3)انظر الجنى الداني للحسن بن القاسم المرادي ص201
(4)ارتشاف الضرب لأبي حيان ج1 ص531
(5)انظر الكافية في النحو لابن الحاجب المالكي ص35
(6)تعليق الفرائد للدماميني ج2 ص212-213
(7)الكافية لابن الحاجب ص35
(8) همع الهوامع للسيوطي ج1 ص85
(9)معاني الحروف لابي الحسن الرماني النحوي ص68
(10)انظر الإنصاف في مسائل الخلاف لكمال الدين ابي البركات .ص151
وانظر خزاة الأدب للبغدادي ص31
(11)شرح التسهيل لابن مالك،لجمال الدين الجيّاني الأندلسي ص202
وانظر في علم النحو د.امين علي السيد ص149-150
والجنى الداني في حروف المعاني للحسن ابن القاسم المرادي ص201-202
و همع الهوامع للسيوطي ج1 ص85 و خزانة الأدب للبغدادي ج1 ص33
وتعليق الفرائد للدماميني ج2 ص 116 -117و ارتشاف الضرب لأبي حيان ص 531
(12) انظر شرح الكافية الشافية.للعلامة جمال الدين الطائي الجتاني ص300-301
(13) ضرائر الشعر .تحقيق السيد ابراهيم محمد _ ص13
(14)انظر تعليق الفرائد للدماميني ج2 ص 218-219


3- تابع البحث

2-هل هي اسمٌ أم حرف؟؟
ذكرنا سابقاً بأنّ (ال) اسم موصول كحقيقةٍ مُسَلّمٍ بها..على أن العلماء اختلفوا حول ماهيّة (ال)هل هي اسمٌ أم حرف؟؟فمنهم من يُصِر على بقاء الشخصية الحرفية لها ويجعل الإعراب لما بعدها،نحو: جاء الكاتبُ رسالةً،حيث يكون فاعل المجيء هو (كاتب)، ومنهم من يعدّها اسماً ويعطيها الإعراب، فيقول: (ال) فاعل لـ(جاء) و(كاتب) صلة لـ(ال) لا محل له من الإعراب، وأما الضمة الظاهرة على كاتب فهي علامة رفع (ال) التي لم تستطع تحمّلها بسبب بنائها على السكون فألقتها على صلتها.(1)وقد انقسم النحاة في ذلك إلى ثلاثة مذاهب:
1-الجمهور:ومذهبهم أنها اسم موصول بمعنى الذي وفروعه وهي الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين..وقد استدلّ الرضي(2) لمذهب الجمهور برجوع الضمير عليها في السعة نحو:المبرور به زيد، ولو كانت موصولاً حرفياً لأوّلت مع ما بعدها بمصدر،ولو كانت حرف تعريف لامتنع دخولها على الفعل وقد دخلت نحو (الترضى)و(اليجدع).(3)
2-الأخفش(4):ومذهبه أنها حرف تعريف وليست موصولة وعنده أن اسم الفاعل واسم المفعول إذا دخلت لا يعملان فإن وجد منصوب بعدهما فعلى التشبيه بالمفعول به..قال ابن هشام(5)
في المغني في سياق الرد على اعتبارها حرف تعريف(ولو صحّ ذلك لمنعه من إعمال اسمي الفاعل والمفعول كما منع التصغير والوصف) (6)ولقد كان استدلال ابن برهان على مذهب الجمهور من القوة بمكان بحيث لا يترك مجالاً للشك فقد علّل موصوليتها بدخولها على الفعل لأن حرف التعريف في اختصاصه بالاسم كحرف التنفيس في اختصاصه بالفعل فكما لا يدخل حرف التنفيس على اسم لا يدخل حرف التعريف على فعل فوجب اعتقاد(ال) في (الترضى) و(اليجدع)و(اليرى) و(اليروح) أسماء بمعنى الذي لا حرف تعريف.(7)
3-المازني(8):ومذهبه أنها موصول حرفي،فهي حرف كما في سائر الأسماء الجامدة واستدلّ على حرفيّتها بأنّ العامل يتخطاها نحو مررت بالضارب فالمجرور (ضارب) ولا موضع لـ(ال) ولو كانت اسماً لكان لها موضع من الإعراب،وأُجيب بأنه خولف مقتضى الدليل في هذا الاسم لكونه على صورة الحرف فنُقل إعرابه إلى صلته كذا قال الرضي، وردّ عليه ابن هشام في المغني"وليس بشيء لأنها تؤول بالمصدر وربما وصلت بظرف أو جملة اسمية أو فعلية فعلها مضارع وذلك دليل على أنها ليست حرف تعريف ،فالأول كقوله:
من لا يزال شاكراً على المَعَه فهو حر بعيشة ذات سعة
والثاني كقوله:
من القوم الرسول الله منهم لهم دانت رقاب بني معد
والثالث كقوله:
يقول الخنى وأبغض العجم ناطقاً إلى ربنا صوت الحمار اليجدعُ"(9)

والصحيح رأي الجمهور أنها اسم موصول لسببين :
1-وجود ضمير بعدها لا مرجع له سواها, والضمير لا يعود الا على اسم كقوله تعالى:(قد أفلح المؤمنون) ففيها ضمير لا مرجع له سوى (ال) .
2- ان الاسماء التي دخلت عليها ال قد يعطف عليها الفعل احيانا نحوقوله تعالى( ان المصدقين والمصدقات واقرضوا الله قرضا حسنا) وقوله :(والعاديات ضبحا ......فأثرن به نقعا) والفعل لا يعطف الا على فعل مثله او ما يشبه الفعل وهو هنا ليس بفعل بل احدى مشتقاته ومن ثم كانت ال الداخلة على المشتقات الصريحة المشبهة بالفعل اسم موصول ليعود عليها الضمير ...والحقيقه ان ال لا تكون موصولة اذا وجد في الكلام ما يدل على انها للجنس أو للعهد بل تكون حرف تعريف حتى لو دخلت على مشتق مثل (رأيت طالبا نبيها,فأكبرت الطالب النبيه)فأل هنا للعهد (10)
لقد اختلف النحاة في إعراب (ال) ولعل أفضل رأي هو القائل بأنها مع صفتها التي بعدها بمنزلة الشيء الواحد فكأنهما المركب المزجي يظهر إعرابه على الجزء الأخير منه، فنحن لا نستطيع فصل (ال) عن صلتها.. بل ونتعجّب من كونها اسم موصول مستقل بذاته!!ولذا فإنها لا تُعرب منفصلة ولا يظهر الإعراب عليها وإنما مع صلتها المتصلة بها(11)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)انظر المحيط في أصوات العربية لمحمد الأنطاكي ج1
(2)الرضي:هو محمد بن الحسن الاسترباذي (700_624)وهو شارح متني الكافية والشافية فهو عالم لغة على وجه العموم وعالم نحو على وجه الخصوص.
(3)انظر تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد لمحمد بدر الدين الدماميني،ج1 من ص 212 إلى ص220
(4)الأخفش:هو سعيد بن مسعدة أبو الحسن الأخفش الأوسط البلخي ثم البصري النحوي،نحوي عالم باللغة والأدب، من علماء البصرة، أحد تلامذة سيبويه.توفي عن 75 سنة.
(5)ابن هشام:جمال الدين عبد الله (1309-1360)نحوي ولغوي مشهور.
(6)مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام ج1 ص49
(7)شرح التسهيل لابن مالك، لجمال الدين الجياني الأندلسي،ج1 ص201_202
(8)لمازني:أبو عثمان بكر(ت-نحو 863)لغوي من أهل البصرة له :التصريف، وكتاب ما يلحن فيه العامة.
(9)مغني اللبيب لابن هشام ج1 ص49وانظر تعليق الفرائد للدماميني من ص 212 إلى ص220و ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان ص531-532،و الجنى الداني في حروف المعاني،للحسن بن القاسم المراد، ص201-202
(10) انظر الواضح في النحو ..عبدالعزيز علي صالح رضوان...ص231
(11)انظر موسوعة النحو والصرف والإعراب..د/اميل بديع يعقوب ص134، و قواعد اللغة العربية د/مبارك مبارك ص47

2- تابع البحث

المبحث الأول:
وأول سؤالٍ يفضحُ طفولةَ الخطوات..ويتعثّرُ على طريق البحث.. *عن أيّ (ال)نتحدّث؟؟ الحقيقة أن بحثنا يتمحور بالدرجة الأولى حول (ال) التي تجيء بمعنى الذي وإن كنا قد قَصَرنا جُهدنا على دراستها في حين دخولها على الفعل المضارع، غير أنّ الصورة لن تتّضح دون الإشارة ولو بلمحة بسيطة عن (ال) الموصولة بشكلٍ عام..وقبل أن نُبحِرَ في خضمّ الكتب،لا بُدّ من التنويهِ بأننا استحْسَنّا استخدامَ (ال) بدلاً من التعبير بـ(الألف واللام) وإن كُنّا قد لاحظنا كثرة التعبير بهذا الأخير في أُمّهات الكُتب، إلا أننا ارتضينا قول صاحب شرح الكافية الشافية "التعبير بـ(ال) أولى من التعبير بالألف واللام ليسلك في ذلك سبيل التعبير عن سائر الأدوات كـ(هل) و(بل) فكما لا يُعبّر عن (هل) و(بل) بالهاء واللام والباء واللام بل يحكى لفظهما، كذا ينبغي أن يفعل بالكلمة المشار إليها وقد استعمل التعبير بـ(ال) الخليل وسيبويه رحمهما الله" (1)
1-علامَ تدخُل؟؟
ورد في كتاب المقتصد للجرجاني قول الشيخ ابي علي :"والإخبار بالذي أعم من الإخبار بالألف واللام لأنك تخبر بالذي عما كان أوله فعلاً متصرفاً أو غير متصرف أو اسما محدّثاً عنه ولا تخبر بالألف واللام إلا عمّا كان أوله فعل متصرف " وقال الشيخ ابو بكر:"اعلم ان الاصل في الاخبار هو الذي لأنه يدخل على الجملتين تقول الذي هو زيد منطلق والذي قام غلامه زيد فقد وقع في صلته الاسم والفعل ,والألف واللام فرع على الذي وقائم مقامه فلا تخبر به إلا إذا كانت الجملة فعلية"(2)ويقول الزّجّاجي في كتابه الجمل في النحو"وأما الألف واللام إذا كانتا بمعنى الذي والتي فإنهما يدخلان على أسماء الفاعلين والمفعولين المشتقة من الأفعال وتحتاج إلى صلة وعائد كما تحتاج الذي والتي ولا تُقدّم صلاتها عليها ولا يُفرّق بينها وبين صِلتها بشيء"(3)
ومن المهم أن نضيف قول السيوطي في همع الهوامع "توصل (ال) بصفة محضة وذلك اسم الفاعل والمفعول كالضارب والمضروب بخلاف غير المحضة كالذي يوصف به وهوغير المشتق كأسد وكالصفة التي غلبت عليها الاسمية كأبطح وأجزع وصاحب وراكب فأل في جميع ذلك معرفة لا موصولة وفي وصلها بالصفة المشبهة قولان:أحدهما:توصل بها نحو الحسن وبه جزم ابن مالك ,والثاني : لا وبه جزم في البسيط لضعفها وقربها من الاسماء ورجحه ابن هشام في المغني لأنها للثبوت فلا تؤول بالفعل،قال ولذلك لا توصل بأفعل التفضيل باتفاق وفي وصلها بالفعل المضارع قولان :أحدهما:توصل به وعليه ابن مالك ,لوروده في قوله :( ماأنت بالحكم الترضى حكومته)وقوله : (ما كاليروح ويغدو لاهياً فرحاً )وقوله: ( الى ربنا صوت الحماراليجدع) والثاني:لا وعليه الجمهور وقالوا الأبيات من الضرورات القبيحة ولا توصل بالجملة الاسمية ولا الظرف إلا في ضرورة باتفاق. كقوله:(من القوم الرسول الله منهم) وقوله:(من لا يزال شاكراً على المعه)أي الذين رسول الله منهم ,والذي معه".(4)
وكلامه شافٍ، روى عطش السؤال..وألجم سيلَ الاستفهاماتِ المكتظّة في عقولنا..وما دمنا نستحثُّ خُطانا للمضيّ قُدُماً في إماطة اللثام عن الوجه الخفيّ لـ(ال) الموصولة، سنُسهب في طرح آراء النحاة المتناثرة في كتبهم،وهنا نقف على شرح ابن عقيل لأحد أبيات ابن مالك المرتبطة بموضوعنا ارتباطاً مباشراً،يقول:صفة صريحة صلة الْ وكونها بمعرب الأفعال قلْ"الألف واللام لا توصل إلا بالصفة الصريحة، قال المصنف في بعض كتبه، وأعني بالصفة الصريحة: اسم الفاعل،نحو الضارب واسم المفعول، نحو: المضروب. والصفة المشبهة نحو: الحسن الوجه, فخرج نحو: القرشي والأفضل.وفي كون الألف واللام الداخلتين على الصفة المشبهة موصولة خلاف , وقد اضطرب اختيار الشيخ ابي الحسن بن عصفور في هذه المسألة ,فمرة قال: انها موصولة ,ومرة منع ذلك.وقد شذ وصل الألف واللام بالفعل المضارع واليه اشار بقوله:وكونه بمعرب الأفعال قل.ومنه قوله :(ما أنت بالحكم الترضى....)"(5)
ويبيّن المبرّد في كتابه المقتضب وجه الإخبار بالذي و(ال) بشيء من التفصيل عن طريق تمثيله لأحوالهما فهو حين يقول:"إذا قلت: قام زيد، فقيل لك: أخبر عن زيد،فإنما يقول لك:ابن من قام فاعلاً،والحقه الألف واللام على معنى الذي،واجعل زيداً خبراً عنه،وضع المضمر موضعه الذي كان فيه في الفعل،فالجواب على ذلك أنْ تقول:القائم زيدٌ،فتجعل الألف واللام وذلك الضمير فاعل،لأنك وضعته موضع زيد في الفعل وزيد خبر الابتداء،وإن شئت قلته بـ(الذي) و(زيد) خبر الابتداء."(6) وإنما يقصد أن (ال) تُستخدم في الإخبار عن الجملة الفعلية وذلك عن طريق إدخالها على اسم الفاعل واسم المفعول كما في (القائم زيد) كما تستطيع الإخبار عن هذه الجملة الفعلية بـ(الذي) فتقول (الذي يقوم زيد)،ثم يُكمل:"ولو قلت:زيد في الدار،فقال:أخبر عن زيد بالألف واللام،لم يجز لأنك لم تذكر فعلاً،فإن قيل لك :أخبر عنه بـ(الذي) قلت:الذي هو في الدار زيد،فجعلت (هو) ضمير زيد،فرفعت (هو) في صلة الذي بالابتداء،و(في الدار) خبره،كما كان حيث قلت:زيد في الدار،وجعلت (هو) ترجع إلى الذي."(7)ويُريد من ذلك أن (ال) لا يجوز الإخبار بها عن الجملة الاسمية وإنما يقتصر ذلك على(الذي) فتقول:الذي هو في الدار زيد،فهو هنا يضع نصْب أعيننا قاعدة واضحة هي: نُخبر بالذي عن الجملة الفعلية والاسمية ولكننا لا نُخبر بـ(ال) إلا عن الجملة الفعلية. وخلاصة القول :أن الإخبار بـ(الذي )أعم من الإخبار بـ(ال) حيث أن(الذي) تدخل على الجملة الاسمية والفعلية بينما لا تدخل (ال) الا على مشتق من الجملة الفعلية(8)
و(ال) للعاقل ولغيره وتكون اسما موصولاً وإن كانت على صورة الحرف.. وتجيء بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث(أي أنها موصول مشترك)بشرط أن تدخل على الصفة الصريحة كاسم الفاعل واسم المفعول وصيغة المبالغة..

ومثال دخولها على اسم الفاعل:الشاكر..واسم المفعول:المشكور..وصيغة المبالغة:الشكور..ولا تدخل على (أفعل التفضيل) بتاتاً.. وفي دخولها على الصفة المشبهة نحو(الحسن وجهه) خلاف.. وعلى الفعل المضارع نحو(إلى ربه صوت الحمار اليجدعُ) خلاف أيضاً بين قائلٍ بدخولها اختياراً في الشعر والنثر، وبين مُثبتٍ بأن دخولها مجرّد ضرورة شعرية قبيحة لا يقاس عليها ..أما دخولها على الاسم والظرف نحو (من القوم الرسول الله منهم) و (من لا يزال شاكراً على المعه) فبلا شك ضرورة..اتفاقاً.....(9)








ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)شرح الكافية الشافية لجمال الدين الطائي الجتّاني،ج1 ص297
(2)المقتصد في شرح الايضاح...لعبد القاهر الجرجاني...ص1145
(3)الجمل في النحو،لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، ص367
(4)همع الهوامع شرح جمع الجوامع في علم العربية،جلال الدين السيوطي،ص85
(5)التوضيح والتكميل .لشرح بن عقيل ...محمد عبد العزيز علي النجار ...ص117
(6)المقتضب للمبرد،ج3 ص89
(7)المقتضب للمبرد، ج3 ص90
(8)انظر الاشباه والنظائر في النحو...د/جلال الدين السيوطي ...ص138
(9)انظر أ-القواعد الاساسية للغة العربية ..سيد أحمد الهاشمي..ص103
ب- جامع الدروس العربية...للشيخ مصطفى غلاييني..ص152
ج- موسوعة النحو والصرف والإعراب...د/أميل بديع يعقوب..ص133
د- قواعد اللغة العربية...د/ مبارك مبارك...ص47

1- دخول (ال) على الأفعال في بعض الأقوال...

أقدِّم بين أيديكم بحثي أنا وكوكبة من طالبات السنة الثالثة بقسم اللغة العربية..حول دخول (ال) بمعنى الذي على الفعل المضارع...

^_^

إهــــداء:
لعينكِ أقترفُ البوْحَ حتى
ولو أخرستني كفوفُ المساءِ...

لعينيكِ شمّرتُ صبحي دواةً...
لكيما أخُطَّ الجنى من ضياءِ...

فإمّا نظرتُ إلى مُقْلتيكِ
توضّأَ غَيْمي, وصَلّتْ سمائي.

لعينيكِ أمي نزفتُ حروفاً
لعلّيَ أُشفى ببعضِ الدعاءِ.


المقدمــــــــــة:
((بسم الله الرحمن الرحيم))
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين...
سيّدنا محمد .. وعلى آله الطيبين الأطهار وصحبه المؤمنين الأبرار.. وبعـــد...


إنّ مجرّد الوقوف على بضعة أبياتٍ لشاعرٍ معاصر حريٌّ بأن يزُجَّ بكِ في متاهات اللغة ..
فبالإضافةِ إلى إبهامِ الشعر لدى شريحةٍ من شعراء عصرنا هذا وإيغالهم في الرمزية, تدهشك لغتهم !! وأساليبهم الملتوية في إيصال الفكرة,فتجد نصوصهم مكتظّةً بخليطٍ من الرموز التراثية والتاريخية والفلسفية ... الخ
وبحلّةٍ ملوّنةٍ تحملُ من كلِّ قوسِ قزحٍ طيفاً, وتشطحُ بين الألفاظِ المعاصرة وبين التضامينِ التراثية , بين الأساليب المبتكرة والدخيلة والأخرى المتداولة والمتوارثة ...
على الرغم من أن فيهم من يلبس البساطةَ رداءاً ويستخدم بعض الألفاظ العامية في نصوصه.
ونحن في بحثنا هذا لا نهاجم الشعر المعاصر ولا نُنقِصُ من قدرة , ولكننا نسلط الضوء على فئةٍ من الشعراء الشباب الذين بدؤوا بالشعر الحديث دون أن تكون لهم سابقة في الأصالة ...
الذين يقلدون شعراء الحداثة دون وعيٍ أو بحثٍ كان , ومهما أبحرنا في شعر أيامنا هذه فلن ينضجَ بحثُنا بل لن يثمرَ أصلاً , ذلك أنّ الحديثَ حوله لا يُحَدّ..
وأنّى لنا حدُّهُ؟ وقد تحرّر وكسر كلَّ قيد!
من هذا المنطلق سنركِّز بحثنا حول ظاهرة من ظواهر التعبير عند شعراء العصر, كانت ترد قليلاً بل نادراً بالأمس, وشاعت اليوم بشكلٍ لافت, لدرجةٍ تبعثُ على التفكير وتحفّز على الاستفهام.
ما أصلُها ؟ هل هي صحيحةٌ أم خاطئة ؟
أهي ضرورةٌ أم اختيار؟
هذه الظاهرة تتلخص في : دخول (ال) بمعنى الذي على الفعل المضارع بشكلٍ خاص , ودخولها على الاسم والظرف وغير ذلك بشكلٍ عام...
فنحن لا ريب نستهجنُ قول القائل : الـ يعود , الـ يرى , الـ بكت .
لأن آذاننا لم تعتد هذا التركيب , ولم تألفه , وسرعان ما سنستنكرُ على القائلِ قوله هذا ؟؟
لذا سنجتهد , كي تكون أوراقنا هذه فيصلاً في قضية (ال) الموصولة والشعراء المعاصرين, وسنثبت أصالتها كضرورةٍ شعرية في مواضع ... وخطأها في مواضعٍ أُخَر.
وقد كان لكتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام وكتاب همع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسيوطي وكذلك تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للشيخ الدّمامينيي
أيّما أثرٍ في بحثنا هذا...
والله يعلم كم ارتوينا من عذب هذه الكنوز , وكم غذّينا عقولنا من موائدها الغنية , وقد ارتأينا أن يكون البحث على مبحثين , نتناول في الأول معنى (ال)وعلامَ تدخل؟هل هي اسمٌ أم حرف؟؟ماأصلها؟؟ وما حكم دخولها على المضارع؟
وفي الثاني, إدخال (ال) الموصولة على المضارع وغيره في شعر المعاصرين , وسبب لجوئهم لذلك , ومناقشة بعض الشواهد الشعرية الحديثة ...

والله الموفق




التمهيـــــــد:مما لاشك فيه أن دخول (ال) على الفعل المضارع لهجة متداولة في عصرنا الحاضر في العراق وفي بعض دول الخليج , مما يشير بقوة إلى أنها امتدادٌ للهجةٍ عربيةٍ قديمة ربما لم تصل إلينا بوضوح , ونحن أثناء تجوالنا فيما بين أيدينا من كتب لم نعثر على أيّة إشارةٍ تنسب هذه الظاهرة لقبيلة ما ولكننا نكاد نجزم بأنها ترجع لإحدى اللهجات القديمة حيث نص ابن مالك على أن دخول (ال) على الفعل المضارع لهجة قبيلة معينة وضرورة عند غيرهم (1) وقال الدكتور عباس حسن في كتاب النحو الوافي ((بعض القبائل العربية قد يدخل (ال) على الجملة المضارعة فتكون هذه الجملة هي الصلة ومن أمثلتها قول الشاعر : ما أنت بالحكم التُّرضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدلِ*)) (2)ولو سألنا أنفسنا لماذا يجنح بعض الشعراء القدامى لاستخدام (ال)بمعنى الذي في شعرهم على ندرتها بالرغم من تمكّنهم من الإتيان بصيغ أخرى تلائم الوزن والقافية؟وهنا يجب أن نقف على تعليق ابن مالك على قول ذي الخرق الطهوي
يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا الى ربه صوت الحمار اليجدعُ
وقول الآخر :
ليس الـ يرى للخلّ مثل الذي يرى له الخلُّ أهلاً أن يعد خليلا

قال : ((وعندي أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة لإمكان أن يقول الشاعر: صوت الحمار يجدعُ – وما من يرى للخلّ,وإذا لم يفعلوا ذلك مع الاستطاعة ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار))(3)ومع أننا لا نتفق مع ابن مالك في كون دخول (ال) على المضارع جائز اختياراً حيث نختلف معه في تعريف الضرورة الشعرية ـ كما سنبيّن ذلك في ما سيأتي ـ إلا أننا نتفق معه في أن الشاعر قد أتى بـ(ال) مضافة إلى المضارع بملء إرادته دون أن يجبره على ذلك وزن أو قافية، والسؤال لماذا عمد الشاعر إلى ذلك؟؟ وجوابي ربما أراد أن يخفف على بيته مشقة (الذي ) , كذلك نفعل نحن في لهجتنا العامية حين نستبدل (الذي)بـ(اللي) وكذلك يفعل أهل العراق وبعض الدول الخليجية حين يضيفون على المضارع (ال)كل ذلك تخلصاً من ثقل الذال في الذي ذلك أن اللغة تميل إلى السهولة والتيسير فتحاول التخلص من الأصوات العسيرة وتستبدل بها أصواتاً أخرى لا تتطلب مجهوداً عضلياً كبيراً...فاندثار الأصوات الأسنانية في اللهجات العربية الحديثةيعد مظهرا من مظاهر السهولة والتيسير في اللغة, والأصوات الأسنانية في العربية هي الذال والثاء والظاء وهي التي تتطلب إخراج طرف اللسان ووضعه بين الأسنان عند النطق بها ولاشك أن في ذلك جهداً عضلياً لعلّه من أسباب عدم نطق الذال في الاسم الموصول والاكتفاء بـ(ال) أو (اللي) في لهجتنا الحديثة(4)وباتجاه الشعر الحديث إلى اللغة الخفيفة الناعمة والموسيقى الحالمة نجدهم يضيفون في كثير من أشعارهم (ال) على الفعل المضارع طلبا للخفة والاسترسال في حروف تنساب عذوبة أو ربما لمجرد التغيير والخروج عن المألوف ولفت الانتباه , ولكي نكون موضوعين فلا بأس بذلك إلا أن يكون الهدف من ورائه إحداث فوضى في اللغة وضرب القواعد النحوية الثابتة عرض الحائط ...فلقد وجدنا عند بعض الشعراء المعاصرين غرائب لا تهضم ولاتستساغ كإدخال (ال) على الأفعال الماضية وعلى الأفعال الناقصة وعلى ما النافية وغير ذلك من شواهد شاذّة عن الشذوذ !!!سنتناولها لاحقاً إن شاءالله..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تسهيل الفوائد صفحة 24
2- النحو الوافي ج1 صفحة 388 ط5- تأليف عباس حسن
*والبيت ماأنت بالحكم ....الخ للفرزدق وله قصة طريفه فقد هجا به رجلا من بني عذرة قيل انه دخل على عبد الملك بن مروان يمدحه وكان عنده شعراء النقائض الثلاثة جرير والفرزدق والاخطل فمدح جريرا وهجا الاخرين فرد علية الفرزدق ببيتين منهما البيت المتضمن على الشاهد
انظر البداية والنهاية لابن الاثير ج9 صفحة 288- 289
3ـ خزانة الادب للبغدادي ج1 صفحة33

4ـ لحن العامة والتطور اللغوي للدكتور رمضان عبد التواب صفحة50





الاثنين، ٢٣ ذو القعدة ١٤٢٨ هـ

ونبتَّ في رحمِ الحناجرِ موطناً!!




أَوَ كُلّما جفّتْ شفاهُ الحُبِّ يبتلُّ الألَمْ؟
وأصابعُ الزّهرِ التي كتبتْكَ يقطُفُها النّدَمْ!

وأهيمُ لا قُرطاسَ يعبُرُني إليكَ ولا قلمْ

فلقد تضرّمَت الحروفُ ولا تلاعُبَ بالضَّرَمْ
يا سيدي..لا نورَ يفضحُنا لتكتُمَنا الظُّلَمْ
فاشْهَرْ دموعَكَ في الضحى واطْعَنْ فؤادي بالغُمَمْ

وطني له وجهٌ تمزّقَ إذْ شقينا فابْتَسَمْ!


الغَيْمُ أعيُنُهُ وكلُّ مدينةٍ للحُزنِ فَمْ


أَوَ ما تراهُ يلوكُ في بغدادَ همّاً تِلْوَ هَمْ؟


أوَ ما تراهُ يمُجُّ في قُدْسِ الإبا دمعاً ودَمْ؟


أوَ ما ترى شَبَحَ الظّلامِ على نوافِذِنا جَثَمْ؟


والصُّبحُ إذْ عرّى عروبَتَنا تملْمَلَ واحْتَشَمْ


أدْنى عليه عباءةَ الشّفَقِ المُخَضّبِ بالدّيَمْ


ومضى كإنسانٍ قديمٍ قد تقلّدَ بالرِّمَمْ


أمسى يعُدُّ عظامَهُ ويصيحُ:يااااا خيْرَ الأُمَمْ


لِمَ لا يُغنّي بُلبُلي؟هل مثلك اعتادَ البَكَمْ؟


وقياثري تخشى انتحارَ العزْفِ في لُجَجِ الصّمَمْ


ولذا غدتْ خُشُباً مُسنّدةً وينخرُها العَدَمْ


وتخافُ (لا) إن جلْجلتْ في كلِّ ضاحيةٍ (نعمْ)!


لهفي على العربيّ كيفَ يعيشُ في الفوضى أصَمْ؟!


وأظنني أسمعْتُها جدّي.. فأردَفَ في سأمْ:

بدمائنا الأمجادُ تصهلُ يا بُنيّ..لنا القِمَمْ

ولقد خرقْنا كل وادٍ وامتطينا كلّ يَمْ


فضحِكتُ:يا جداهُ عُدْ للقبْرِ لا مجداً فـنَمْ


يا جدُّ كيفَ يُسابقُ الأزمانَ مبتورُ القَدَمْ!!!؟؟؟

إيمان الحمد