الخميس، ٢٦ ذو القعدة ١٤٢٨ هـ

1- دخول (ال) على الأفعال في بعض الأقوال...

أقدِّم بين أيديكم بحثي أنا وكوكبة من طالبات السنة الثالثة بقسم اللغة العربية..حول دخول (ال) بمعنى الذي على الفعل المضارع...

^_^

إهــــداء:
لعينكِ أقترفُ البوْحَ حتى
ولو أخرستني كفوفُ المساءِ...

لعينيكِ شمّرتُ صبحي دواةً...
لكيما أخُطَّ الجنى من ضياءِ...

فإمّا نظرتُ إلى مُقْلتيكِ
توضّأَ غَيْمي, وصَلّتْ سمائي.

لعينيكِ أمي نزفتُ حروفاً
لعلّيَ أُشفى ببعضِ الدعاءِ.


المقدمــــــــــة:
((بسم الله الرحمن الرحيم))
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين...
سيّدنا محمد .. وعلى آله الطيبين الأطهار وصحبه المؤمنين الأبرار.. وبعـــد...


إنّ مجرّد الوقوف على بضعة أبياتٍ لشاعرٍ معاصر حريٌّ بأن يزُجَّ بكِ في متاهات اللغة ..
فبالإضافةِ إلى إبهامِ الشعر لدى شريحةٍ من شعراء عصرنا هذا وإيغالهم في الرمزية, تدهشك لغتهم !! وأساليبهم الملتوية في إيصال الفكرة,فتجد نصوصهم مكتظّةً بخليطٍ من الرموز التراثية والتاريخية والفلسفية ... الخ
وبحلّةٍ ملوّنةٍ تحملُ من كلِّ قوسِ قزحٍ طيفاً, وتشطحُ بين الألفاظِ المعاصرة وبين التضامينِ التراثية , بين الأساليب المبتكرة والدخيلة والأخرى المتداولة والمتوارثة ...
على الرغم من أن فيهم من يلبس البساطةَ رداءاً ويستخدم بعض الألفاظ العامية في نصوصه.
ونحن في بحثنا هذا لا نهاجم الشعر المعاصر ولا نُنقِصُ من قدرة , ولكننا نسلط الضوء على فئةٍ من الشعراء الشباب الذين بدؤوا بالشعر الحديث دون أن تكون لهم سابقة في الأصالة ...
الذين يقلدون شعراء الحداثة دون وعيٍ أو بحثٍ كان , ومهما أبحرنا في شعر أيامنا هذه فلن ينضجَ بحثُنا بل لن يثمرَ أصلاً , ذلك أنّ الحديثَ حوله لا يُحَدّ..
وأنّى لنا حدُّهُ؟ وقد تحرّر وكسر كلَّ قيد!
من هذا المنطلق سنركِّز بحثنا حول ظاهرة من ظواهر التعبير عند شعراء العصر, كانت ترد قليلاً بل نادراً بالأمس, وشاعت اليوم بشكلٍ لافت, لدرجةٍ تبعثُ على التفكير وتحفّز على الاستفهام.
ما أصلُها ؟ هل هي صحيحةٌ أم خاطئة ؟
أهي ضرورةٌ أم اختيار؟
هذه الظاهرة تتلخص في : دخول (ال) بمعنى الذي على الفعل المضارع بشكلٍ خاص , ودخولها على الاسم والظرف وغير ذلك بشكلٍ عام...
فنحن لا ريب نستهجنُ قول القائل : الـ يعود , الـ يرى , الـ بكت .
لأن آذاننا لم تعتد هذا التركيب , ولم تألفه , وسرعان ما سنستنكرُ على القائلِ قوله هذا ؟؟
لذا سنجتهد , كي تكون أوراقنا هذه فيصلاً في قضية (ال) الموصولة والشعراء المعاصرين, وسنثبت أصالتها كضرورةٍ شعرية في مواضع ... وخطأها في مواضعٍ أُخَر.
وقد كان لكتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام وكتاب همع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسيوطي وكذلك تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للشيخ الدّمامينيي
أيّما أثرٍ في بحثنا هذا...
والله يعلم كم ارتوينا من عذب هذه الكنوز , وكم غذّينا عقولنا من موائدها الغنية , وقد ارتأينا أن يكون البحث على مبحثين , نتناول في الأول معنى (ال)وعلامَ تدخل؟هل هي اسمٌ أم حرف؟؟ماأصلها؟؟ وما حكم دخولها على المضارع؟
وفي الثاني, إدخال (ال) الموصولة على المضارع وغيره في شعر المعاصرين , وسبب لجوئهم لذلك , ومناقشة بعض الشواهد الشعرية الحديثة ...

والله الموفق




التمهيـــــــد:مما لاشك فيه أن دخول (ال) على الفعل المضارع لهجة متداولة في عصرنا الحاضر في العراق وفي بعض دول الخليج , مما يشير بقوة إلى أنها امتدادٌ للهجةٍ عربيةٍ قديمة ربما لم تصل إلينا بوضوح , ونحن أثناء تجوالنا فيما بين أيدينا من كتب لم نعثر على أيّة إشارةٍ تنسب هذه الظاهرة لقبيلة ما ولكننا نكاد نجزم بأنها ترجع لإحدى اللهجات القديمة حيث نص ابن مالك على أن دخول (ال) على الفعل المضارع لهجة قبيلة معينة وضرورة عند غيرهم (1) وقال الدكتور عباس حسن في كتاب النحو الوافي ((بعض القبائل العربية قد يدخل (ال) على الجملة المضارعة فتكون هذه الجملة هي الصلة ومن أمثلتها قول الشاعر : ما أنت بالحكم التُّرضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدلِ*)) (2)ولو سألنا أنفسنا لماذا يجنح بعض الشعراء القدامى لاستخدام (ال)بمعنى الذي في شعرهم على ندرتها بالرغم من تمكّنهم من الإتيان بصيغ أخرى تلائم الوزن والقافية؟وهنا يجب أن نقف على تعليق ابن مالك على قول ذي الخرق الطهوي
يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا الى ربه صوت الحمار اليجدعُ
وقول الآخر :
ليس الـ يرى للخلّ مثل الذي يرى له الخلُّ أهلاً أن يعد خليلا

قال : ((وعندي أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة لإمكان أن يقول الشاعر: صوت الحمار يجدعُ – وما من يرى للخلّ,وإذا لم يفعلوا ذلك مع الاستطاعة ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار))(3)ومع أننا لا نتفق مع ابن مالك في كون دخول (ال) على المضارع جائز اختياراً حيث نختلف معه في تعريف الضرورة الشعرية ـ كما سنبيّن ذلك في ما سيأتي ـ إلا أننا نتفق معه في أن الشاعر قد أتى بـ(ال) مضافة إلى المضارع بملء إرادته دون أن يجبره على ذلك وزن أو قافية، والسؤال لماذا عمد الشاعر إلى ذلك؟؟ وجوابي ربما أراد أن يخفف على بيته مشقة (الذي ) , كذلك نفعل نحن في لهجتنا العامية حين نستبدل (الذي)بـ(اللي) وكذلك يفعل أهل العراق وبعض الدول الخليجية حين يضيفون على المضارع (ال)كل ذلك تخلصاً من ثقل الذال في الذي ذلك أن اللغة تميل إلى السهولة والتيسير فتحاول التخلص من الأصوات العسيرة وتستبدل بها أصواتاً أخرى لا تتطلب مجهوداً عضلياً كبيراً...فاندثار الأصوات الأسنانية في اللهجات العربية الحديثةيعد مظهرا من مظاهر السهولة والتيسير في اللغة, والأصوات الأسنانية في العربية هي الذال والثاء والظاء وهي التي تتطلب إخراج طرف اللسان ووضعه بين الأسنان عند النطق بها ولاشك أن في ذلك جهداً عضلياً لعلّه من أسباب عدم نطق الذال في الاسم الموصول والاكتفاء بـ(ال) أو (اللي) في لهجتنا الحديثة(4)وباتجاه الشعر الحديث إلى اللغة الخفيفة الناعمة والموسيقى الحالمة نجدهم يضيفون في كثير من أشعارهم (ال) على الفعل المضارع طلبا للخفة والاسترسال في حروف تنساب عذوبة أو ربما لمجرد التغيير والخروج عن المألوف ولفت الانتباه , ولكي نكون موضوعين فلا بأس بذلك إلا أن يكون الهدف من ورائه إحداث فوضى في اللغة وضرب القواعد النحوية الثابتة عرض الحائط ...فلقد وجدنا عند بعض الشعراء المعاصرين غرائب لا تهضم ولاتستساغ كإدخال (ال) على الأفعال الماضية وعلى الأفعال الناقصة وعلى ما النافية وغير ذلك من شواهد شاذّة عن الشذوذ !!!سنتناولها لاحقاً إن شاءالله..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تسهيل الفوائد صفحة 24
2- النحو الوافي ج1 صفحة 388 ط5- تأليف عباس حسن
*والبيت ماأنت بالحكم ....الخ للفرزدق وله قصة طريفه فقد هجا به رجلا من بني عذرة قيل انه دخل على عبد الملك بن مروان يمدحه وكان عنده شعراء النقائض الثلاثة جرير والفرزدق والاخطل فمدح جريرا وهجا الاخرين فرد علية الفرزدق ببيتين منهما البيت المتضمن على الشاهد
انظر البداية والنهاية لابن الاثير ج9 صفحة 288- 289
3ـ خزانة الادب للبغدادي ج1 صفحة33

4ـ لحن العامة والتطور اللغوي للدكتور رمضان عبد التواب صفحة50